خطبة الجمعة عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن مكتوبه
خطبة الجمعة ملتقى الخطباء
بتاريخ 19 من جمادى الآخرة 1446 هـ - الموافق 20 / 12 / 2024م
أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102].
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا اصْطَفَى نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرِسَالَتِهِ وَتَبْلِيغِ شِرْعَتِهِ؛ اصْطَفَى لَهُ زَوْجَاتٍ كَرِيمَاتٍ، يُؤَازِرْنَهُ فِي دَعْوَتِهِ، وَيُبَلِّغْنَ سُنَّـتَهُ، وَيَحْفَظْنَهُ فِي غَيْبَتِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا[ [الأحزاب:34]، فَاخْتَارَ اللَّهُ لَهُ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ، أَعْلَى اللَّهُ مَكَانَتَهُنَّ، وَبَيَّنَ فِي الْقُرْآنِ فَضَائِلَهُنَّ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ]يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ[ [الأحزاب:32]. فَتَعَالَوْا نَقْتَبِسْ مِنْ أَخْبَارِهِنَّ الْعَطِرَةِ، وَسِيرَتِهِنَّ الْفَاخِرَةِ.
أُولَاهُنَّ: ذَاتُ الدِّينِ وَالنَّسَبِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ r مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ ، فَصَدَّقَتْهُ وَآوَتْهُ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا: «آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْهَيْثَمِيُّ].
أَحَبَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبًّا عَظِيمًا، فَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهَا، وَيُكْثِرُ ذِكْرَهَا؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ. وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. بَشَّرَهَا رَبُّهَا بِالْجَنَّةِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهَا مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ تَكْرِمَةً وَمِنَّةً؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ، مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ [أَيْ: لُؤْلُؤٍ مُجَوَّفٍ] لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
وَمِنْ زَوْجَاتِهِ الْفُضْلَيَاتِ: أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، الزَّكِيَّةُ الطَّاهِرَةُ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، سَمَتْ فَضَائِلُهَا، وَعَلَتْ مَكَارِمُهَا، أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : (لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَمِ مِثْلُ عَائِشَةَ فِي حِفْظِهَا وَعِلْمِهَا وَفَصَاحَتِهَا وَعَقْلِهَا).
لَمْ يَتَزَوَّجْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكْرًا غَيْرَهَا، وَلَا نَزَلَ الْوَحْيُ فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ سِوَاهَا، تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا وَلَيْلَتِهَا وَبَيْنَ سَحْرِهَا وَنَحْرِهَا. اتُّهِمَتْ ظُلْمًا وَبُهْتَانًا فِي عِرْضِهَا، وَهِيَ الطَّاهِرَةُ الْمُطَهَّرَةُ، فَبَكَتْ حَتَّى لَمْ تَكْتَحِلْ بِنَوْمٍ، وَلَمْ يَرْقَأْ لَهَا دَمْعٌ، فَغَارَ اللَّهُ لَهَا وَأَظْهَرَ بَرَاءَتَهَا، وَشَهِدَ عَلَى عِفَّتِهَا وَطِيبِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: ]أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ[ [النور:26].
وَمِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ خَدِيجَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: (مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا – أَيْ: أَنَا وَهِيَ مَعًا- مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ. مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، أَيْ: أَنَّهَا كَانَتْ شَهْمَةَ النَّفْسِ، قَوِيَّةَ الْقَلْبِ، حَازِمَةً مَعَ عَقْلٍ رَصِينٍ، وَفَضْلٍ مَتِينٍ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
وَمِنْ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَنِسَائِهِ الطَّاهِرَاتِ: حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا، سَبْعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا شَهِدُوا بَدْرًا؛ قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَفْصَةَ: (فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].
وَأُمُّ الْمَسَاكِينِ: زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةُ، ذَاتُ الْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ، تَزَوَّجَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِلْهِجْرَةِ بَعْدَ زَوَاجِهِ بِحَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، مَكَثَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْهُرًا قَلِيلَةً ثُمَّ تُوُفِّيَتْ.
وَصَاحِبَةُ الْهِجْرَتَيْنِ: أُمُّ حَبِيبَةَ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، لَيْسَ فِي أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هِيَ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَيْهِ مِنْهَا، وَلَا فِي نِسَائِهِ مَنْ هِيَ أَكْثَرُ صَدَاقًا مِنْهَا، هَاجَرَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْحَبَشَةِ، فَمَاتَ زَوْجُهَا، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ إِلَى النَّجَاشِيِّ يَخْطُبُهَا، فَأَمْهَرَهَا النَّجَاشِيُّ مِنْ عِنْدِهِ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ.
وَالصَّابِرَةُ الْمُحْتَسِبَةُ: أُمُّ سَلَمَةَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، مِنَ السَّابِقَاتِ إِلَى الْإِسْلَامِ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: ]إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ[، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا»، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
عِبَادَ اللهِ:
وَمِنْ زَوْجَاتِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زوَّجَهَا اللهُ نَبِيَّهُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ] فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [ [الأحزاب:37]، فَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: (زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ - أَيْ تُفَاخِرُنِي - فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ، وَأَتْقَى لِلَّهِ، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى).
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
يتبع في الأسفل الخطبة الثانية مع الدعاء نهاية الخطبة