خطبة مكتوبة عن الاستقامة وسائلها وثمراتها ١٤٤٧هـ
خطبة الجمعة عن الاستقامة وسائلها وثمراتها ملتقى الخطباء صيد الفؤاد
أهلا وسهلا بكم زوارنا الكرام في صفحة موقع منبر الجواب المنصة الإسلامية يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم في صفحة موضوعنا هذآ خطبة مكتوبة بعنوان // الاستقامة وسائلها وثمراتها
الإجابة هي كالتالي :
خطبة مكتوبة عن الاستقامة وسائلها وثمراتها ١٤٤٧هـ
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله.. الاِسْتِقامَةُ: هي سبيلُ النَّجاة، وهي الوسطيةُ في كلِّ شيءٍ، وهي اتِّباعُ الكتابِ والسُّنةِ، ومنهجِ سلفِ الأمة، وهي سلوكُ الصِّراطِ المستقيم، قال اللهُ تعالى–لرسوله وللمؤمنين: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ قال ابن حجر رحمه الله: (الِاسْتِقَامَةُ كِنَايَةٌ عَنِ التَّمَسُّكِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلًا وَتَرْكًا).
عباد الله: وقد رغَّبَ اللهُ المؤمنين، وحثَّهم على لُزومِ الاِسْتِقامَةِ؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾. وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً؛ لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ. قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ؛ فَاسْتَقِمْ»
عباد الله.. ومِنْ أَهَمِّ الوَسائِلِ التي تُعِينُ على الاِسْتِقامَةِ:
١- إصلاحُ القلوبِ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ». قال ابنُ رجبٍ رحمه الله: (أَصْلُ الِاسْتِقَامَةِ: اسْتِقَامَةُ الْقَلْبِ عَلَى التَّوْحِيدِ. وَقَدْ فَسَّرَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه الاسْتِقامَةَ في قولِه تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾.
٢- إِمْسِاكُ اللِّسانِ عن الخَوضِ في الباطِلِ: قال سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ! حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ. قَالَ: «قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَقِمْ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَكْثَرُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ: «هَذَا». وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ». وقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ؛ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا؛ فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا»
٣- مُصاحَبَةُ الصَّالِحِين ومُجالَسَتُهم: قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ؛ كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ. فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً». وقال أيضًا: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» حسن – رواه أبو داود. وقال: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ».
٤- لُزُومُ الاتِّباعِ، وتَرْكُ الابْتِداعِ: فاتِّباعُ الكتابِ والسُّنةِ، والاسْتِمْساكُ بِهِمَا؛ مِنْ أقوى وسائِلِ الثَّباتِ على الِاسْتِقَامَةِ في الدِّينِ حتى الموت، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾. وقال سبحانه: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ وقال: ﴿ فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ» ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾.
٥- طَلَبُ العِلْمِ الشَّرْعِي: وهو مِنْ أَفْضَلِ الوَسائِلِ التي تُعِينُ على الِاسْتِقَامَةِ، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾. فالعلمُ الشَّرعي يُورِثُ الخَشْيَةَ، ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾. والعلمُ الشَّرعي يَدْفَعُ صاحِبَه إلى الِاسْتِقَامَةِ على دِينِ اللهِ حتى الموت، فلا يَنْحَرِفُ بِشَهَواتٍ ولا بِشُبُهاتٍ، ولَمَّا افْتَتَنَ النَّاسُ بِمالِ قَارُونَ؛ ثَبَتَ أهلُ العلمِ على دِينِهم، ولم يَفْتَتِنوا؛ بل نَصَحوا غَيرَهم: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾.
عباد الله: إنَّ الاسْتِقامَةَ على دِينِ اللهِ لها ثَمَراتٌ كَثِيرةٌ في الدُّنيا والآخِرَةِ، ومنها:
١- الثَّبَاتُ على الدِّينِ: فإنَّ مَنِ استقامَ ثَبَتَ، ومَنْ ثَبَتَ نَبَت، ومَنْ نَبَتَ أثْمَرَ، ولَمَّا قال سُفْيَانُ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ! حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ. قَالَ له: «قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَقِمْ».
٢- الحَياةُ الطَّيِّبةُ: قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾. وقال سبحانه: ﴿ وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾. والمَقْصودُ: أنَّهم لَو اسْتَقامُوا على طَرِيقَةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه رضي الله عنهم، بالإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ؛ لَأَحْيَيْناهُمْ في هذه الدُّنيا حَيَاةً طَيِّبَةً.
٣- البُشْرَى عِنْدَ المَوتِ: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ ﴾ أي: عِنْدَ المَوتِ ﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾.
٥- يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ [اسْتَقَامَ عَلَى عَدْلِه] وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ [اسْتَقَامَ عَلَى عِبادَةِ رَبِّه] وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ [اسْتَقَامَ عَلَى المُحافَظَةِ على صَلاةِ الجَماعَةِ] وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ [اسْتَقَامَا على الحُبِّ في اللهِ] وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ [اسْتَقَامَ عَلَى الخَوفِ مِنَ اللهِ] وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ [اسْتَقَامَ عَلَى الإِخْلاصِ للهِ، والبُعْدِ عَنِ الرِّيَاءِ] وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ [اسْتَقَامَ عَلَى الإِخْلاصِ للهِ]».
٦- دُخُولُ الجَنَّةِ: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.