خطبة مكتوبة بعنوان شهر رجب يذكِّر بالمِحَن والمِنَح مع الدعاء
أهلا وسهلا بكم زوارنا الكرام في صفحة موقع منبر الجواب المنصة الإسلامية يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم في صفحة موضوعنا هذآ خطبة مكتوبة بعنوان //
شهر رجب يذكِّر بالمِحَن والمِنَح
الإجابة هي كالتالي
مقدِّمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فيا عباد الله:
لقد ذكرت لكم في الأسابيع الماضية الأسباب التي يكون الزوج فيها سبباً في وجود المشاكل الزوجية، وعالجنا هذه الأسباب، وبالمقابل قد تكون الزوجة سبباً في وجود المشاكل الزوجية، فما هي الأسباب التي تكون الزوجة فيها سبباً في وجود المشاكل؟
أيها الإخوة: كلما أطلَّ رجب المحرَّم نقول: اللهم كما بلَّغتنا شهر رجب بلِّغنا شهر شعبان وشهر رمضان لنزداد وقرباً منك، لنتعرَّض لنفحات الله تعالى في شهر رجب
شهر رجب يذكِّر بالمِحَن والمِنَح:
أيها الإخوة المؤمنون: كلَّما هلَّ هلال شهر رجب المحرَّم فإنه يذكِّرنا بالمِحَن والمِنَح التي لاقاها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكِّرنا هذا الشهر بحادثة الإسراء والمعراج التي كانت مِنْحة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المحنة العظيمة التي عانى منها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد وفاة عمه أبي طالب، وبعد وفاة السيدة خديجة الكبرى رضي الله عنها، عندما هاجر إلى الطائف ليدعوَ ثقيفاً إلى الله تعالى.
والذكريات هي محطَّة لتقوية إيمان الأمة، وخاصة ونحن نعيش في زمن الابتلاءات والمِحَن والمصائب والشدائد.
لأنه وبكلِّ أسف قد يصدر من بعض الناس سؤال يقول فيه السائل: لماذا هذه المِحَن والشدائد والمصائب والابتلاءات؟
اسمحوا لي أيها الإخوة أن أقول وبكلِّ وضوح: هذا السؤال لا يصدر إلا من إنسان غافل لا صلة له مع القرآن العظيم، ولا صلة له مع حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا صلة له مع سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لأن صاحب الصلة مع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل مثل هذا السؤال أبداً، كيف يسأل هذا السؤال وهو يقرأ قول الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}.
كيف يسأل هذا السؤال وهو يقرأ قول الله تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين}.
الملتصق بكتاب الله عز وجل لا يسأل هذا السؤال، لأنه يقرأ قول الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور}، فالعبد ما خُلق في هذه الحياة الدنيا إلا للاختبار والابتلاء والمِحَن.
والملتصق بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل هذا السؤال، لأنه يسمع حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ) رواه البخاري. وكيف يسأل هذا السؤال وهو يقرأ سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت مليئة بالابتلاءات والمِحَن؟
ما هي الحكمة من الابتلاءات؟
أيها الإخوة الكرام: قد يتساءل البعض: ما هي الحكمة من هذه الابتلاءات والمِحَن والمصائب؟
أولاً: تعرِّف العبد على حقيقة نفسه:
الجواب على ذلك يا أيها الإخوة الكرام: كلُّنا يعلم بأن نعم الله تعالى علينا لا تُعدُّ ولا تُحصى، كما قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار}.
والإنسان إذا رأى النعمة بدون منغِّصات نسي المنعم والعياذ بالله تعالى، فربما أن يتفرعن، وقد يدَّعي الألوهية والربوبية كما فعل فرعون، وصدق الله القائل: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}.
فأراد الله جل جلاله أن يُشعر الإنسان بحقيقته المشار إليها بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد}، لذلك سلَّط عليه الابتلاءات والمِحَن والمصائب حتى يعرف نفسه أنه فقير عاجز، ومن عرف نفسه فقد عرف ربه، كما قال بعض العارفين بالله تعالى، فالابتلاءات توقف العبد على حقيقة نفسه وتدفعه لمعرفة ربه عز وجل.
ثانياً: تذيقه حلاوة الإيمان:
أيها الإخوة الكرام: إن الابتلاءات والمحن والمصائب تذيق صاحبها حلاوة الإيمان بالله تعالى الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وذلك عندما يسوق الابتلاءات ليعرِّف الإنسان نفسه، فإذا عرف نفسه ودعا ربه عز وجل وكشف عنه البلاء أقبل على ربه محباً له بكلِّ ذراته، وكما قال صلى الله عليه وسلم عليه وسلم: (أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ) رواه الترمذي، ومن نعمة الله الابتلاءات، ومن نعم الله كشف هذه الابتلاءات.
ثالثاً: توقفه على باب مولاه مناجياً ربه:
أيها الإخوة الكرام: من حِكم الابتلاءات والمصائب أنها تجعل العبد يقف على باب مولاه لمناجاته، حيث يرى العبد المبتلى المصاب توجَّه إلى الله تعالى بكلِّ ذراته، وشَرُف بمناجاته لمولاه، ولولا المصائب والمحن لما وقف العباد على باب مولاهم إلا إذا كانوا من أهل الوداد وكانوا من أولي الألباب.
فصارت الابتلاءات والمحن والمصائب سبباً للمناجاة، والمناجاة شرف عظيم ومنصب من الكرام جسيم.
والفارق كبير بين من يدعو الله تعالى بقلب حاضر، وبين من يدعوه بلسانه، وقلبُه غافل عن ربه عز وجل، الفارق كبير بين دعاء صاحب العطاء إذا كان غافلاً عن الله عز وجل بسبب النعمة، وبين صاحب المنع الذي ابتلاه الله تعالى بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، فهذا يدعو الله تعالى بقلب رقيق حزين منكسر، مع دمعة من العين صادقة، وذلك يتحرَّك لسانه، وقلبه ملتفت إلى النعمة دون المنعم، إلا من رحم الله تعالى.
رابعاً: ليعطيه أجراً بغير حساب:
أيها الإخوة الكرام: ربُّنا عز وجل رحيم بخلقه يريد أن يعطيهم من خزائن رحمته من غير حساب، أن يعطيهم بلا حدٍّ ولا عدٍّ، وهذا الأمر قد يجعل له سبباً، ومن الأسباب لنيل هذا الأجر بغير حساب الابتلاءات، كما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون}.
فبهذه الابتلاءات يعطيك، ورحم الله من قال: إن الله تعالى أعطاك ليعطيك إن كنت شاكراً، ومنعك ليعطيك إن كنت صابراً.
بالابتلاءات يعطيك أجراً بغير حساب، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب}.
خامساً: ليرغِّبه في الآخرة التي قد يزهد فيها بعض الناس:
وأخيراً أيها الإخوة الكرام: يبتلي الله تعالى خلقه ليرغِّبهم في الآخرة إن زهدوا فيها، لأنه كما قلت بداية: إذا رأى العبد النعم بدون منغِّصات فإنه يطمئنُّ إليها ويركن إليها، وقد يزهد في الآخرة ولا يريد الخروج من الدنيا، فإذا جاءت الابتلاءات والمِحَن والمصائب ترى هذا العبد يتطلَّع إلى يوم اللقاء، يتطلَّع إلى يوم الخروج من الدنيا، من دنيا التكليف إلى الآخرة حيث فيها التشريف والعطاء بدون منغِّصات.
لذلك شاء ربُّنا عز وجل أن يجعل هذه الحياة مليئة بالمنغِّصات من أجل الزهد فيها، وعدم الركون إليها، لأن هذه الحقيقة يجب أن لا تغيب عن الأذهان: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين}. فمن رحمته تبارك وتعالى جعل فيها المنغِّصات، حتى إذا ما جاءت سكرات الموت رأيت المؤمن يعشق الخروج من الدنيا، ولولا المنغِّصات ربما أن يموت الإنسان الموتات عند سكرات الموت بسبب مفارقته لهذه الدنيا المليئة بالنعم.
نِعَم الدنيا لا تدوم، وإذا دامت فالعبد لا يدوم لها، لذا من حكمة الله في الابتلاءات أن يرغِّبنا في الآخرة ويزهِّدنا في الدنيا.
يتبع الدعاء في الأسفل